فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} [14].
{قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا} أي: صدّقوا بالله، واتبعوك: {يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ} أي: لا يخافون بأس الله، ونقمه، ووقائعه بأعدائه: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي: من علمهم. ومنه العفو، والتجاوز عن بعض ما يؤذي ويوحش. وقد روي أنها نزلت في عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد شتمه رجل من غفار، فهمّ أن يبطش به، فتكون الآية مدنية. قيل: يؤيده ما أورد على كونها مكية. من أن من أسلم بها كانوا مقهورين فلا يمكنهم الانتصار منهم، والعاجز لا يؤمر بالعفو والصفح، وأجيب بأن المراد أنه يفعل ذلك بينه وبين الله بقلبه، ليثاب عليه. مع أن دوام عجز كل أحد منهم غير معلوم. فالصواب أن الآية مكية كالسورة. ومعنى نزولها في عمر- إن صح- صدقها على قضيته، والاستشهاد بها لسماحه. كما حققنا المراد من النزول، غير ما مرة.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [15].
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} أي: لكونه افتكّها من العذاب: {وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} أي: أساء عمله بمعصية ربه، فعلى نفسه جنى؛ لأنه أوبقها بذلك: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: تصيرون. فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [16].
{وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أي: التوراة: {وَالْحُكْمَ} أي: الفهم بالكتاب والعلم بالسنن التي تنزل بالكتاب: {وَالنُّبُوَّةَ} أي: جعلنا منهم أنبياء، ورسلاً إلى الخلق: {وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني المنّ، والسلوى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: عالمي أهل زمانهم، بإيتائهم ما لم يؤت غيرهم. كما قال تعالى:

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [17].
{وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ} أي: حججاً وبراهين، وأدلة قاطعات، تأبى الاختلاف، ولكن أبوا إلا الاختلاف: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي: ظلماً وتعدياً منهم، لطلب الحظوظ العاجلة: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: بالمؤاخذة، والمجازاة. قال ابن كثير: وهذا فيه تحذير لهذه الأمة، أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم، ولهذا قال جل وعلا:

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [18].
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ} أي: على طريقة، وسنة، ومنهاج من أمر الدين، الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا: {فَاتَّبِعْهَا} أي: تلك الشريعة الثابتة بالدلائل، والحجج: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} يعني المشركين، وما هم عليه من الأهواء التي لا حجة عليها.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [19].
{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً} أي: لن يدفعوا عنك من غضبه، وعقابه شيئاً ما {وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} أي: أعوان، وأنصار على المؤمنين، وأهل الطاعة، أو في التخزب والتقوى، ولكن ماذا تغنيهم ولايتهم لبعضهم، وقد تخلت عناية الله ونصرته عنهم؟: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} أي: من اتقاه بعبادته وحده، وخشيته بكفايته من بغى عليه، وكاده بسوء. والأظهر تفسير الآية بآية: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257].

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [20- 21].
{هَذَا} أي: القرآن: {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} أي: يبصرون به الحق من الباطل، ويعرفون به سبيل الرشاد. قال الزمخشري: جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع، بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحاً وحياة، أي: فهو تشبيه بليغ: {وَهُدًى} أي: من الضلالة: {وَرَحْمَةٌ} أي: من العذاب لمن آمن وأيقن: {لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} أي: يطلبون اليقين: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} أي: اكتسبوا سيئات الأعمال: {أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي: من عدم التفاوت.
قال الزمخشري: والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً، وأن يستووا مماتاً، لافتراق أحوالهم أحياء حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على ركوب المعاصي، ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة، والوصول إلى ثواب الله ورضوانه، وأولئك على اليأس من رحمة الله، والوصول إلى هول ما أعدّ لهم. انتهى.
وزد عليه: حيث عاش هؤلاء على الهدى، والعلم بالله، وسنن الرشاد، وطمأنينة القلب، وأولئك على الضلال، والجهل، والعبث بالفساد، واضطراب القلب، وضيق الصدر، بعدم معرفة المخرج المشار إليه بآية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 124].

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [22].
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي: بالحكمة والصواب. قال ابن جرير: أي: للعدل والحق، لا لما حسب هؤلاء الجاهلون بالله، من التسوية بين الأبرار والفجار؛ لأنه خلاف العدل والإنصاف: {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} قال الزمخشري: معطوف على بالحق؛ لأن فيه معنى التعليل، أو على معلل محذوف، تقديره، خلق الله السموات والأرض ليدل بها على قدرته، ولتجزى كل نفس: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أي: في جزاء أعمالهم.

.تفسير الآيات (23- 24):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [23- 24].
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي: من ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى، فكأنه يعبده، فجعله إلهاً تشبيه بيلغٍ أو استعارة. قال القاشاني: الإله المعبود، ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلهاً؛ إذ كل ما يعبده الْإِنْسَاْن بمحبته وطاعته، فهو إلهه لو كان حجراً!: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} أي: عالماً بحاله، من زوال استعداده، وانقلاب وجهه، إلى الجهة السفلية، أو مع كون ذلك العابد للهوى عالماً بعلم ما يجب عليه فعله في الدين، على تقدير أن يكون: {عَلَىْ عِلْمٍ} حالاً من الضمير المفعول في: {أَضَلَّهُ اللَّهُ} لا من الفاعل، وحينئذ يكون الإخلال لمحالفته علمه بالعمل، وتختلف القدم عن النظر؛ لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة الهوى، أو على علم منه غير نافع؛ لكونه من باب الفضول، ليس فيه إلى الحق سلوك ووصول: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} أي: بالطرد من باب الهدى، والإبعاد عن محل سماع كلام الحق وفهمه، لمكان الرين، وغلظ الحجاب، فلا يعقل منه شيئاً: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} أي: عن رؤية حجج الله، وآياته: {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ} أي: فمن يوقفه لإصابة الحق بعد إضلال الله إياه: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي: ما الحياة، أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها: {نَمُوتُ} أي: بالموت البدني الطبيعي {وَنَحْيَا} أي: الحياة لجسمانية الحسية، لا موت ولا حياة غيرهما: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} أي: مرّ الليالي، والأيام، وطول العمر: {وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} أي: وما يقولون ذلك عن علم، ولكن عن ظن، وتخمين. و{ذلك} إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر، أو إلى إنكار البعث، أو إلى كليهما. قال الزمخشري: كانوا يزعمون أن مرور الأيام، والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت، وقبضه الأرواح بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثة وحدث إلى الدهر والزمان، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» أي: فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر. انتهى.
وقال الخطابي، معناه أنا صاحب الدهر، ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر. فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها. وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لمواقع الأمور. وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا: بؤساً للدهر، وتباً للدهر. انتهى.
قال ابن كثير: وقد غلط ابن حزم. ومن نحا نحوه من الظاهرية، في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى، أخذاً من هذا الحديث. انتهى.
تنبيه:
في هذه الآية رد على الدهرية، وهم المعطلة بأن متمسكهم ظن وتخمين. لم يشم رائحة اليقين. وما هذا سبيله، فباب القبول في وجهه مسدود: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [يونس: 36].
قال الشهرستاني في معطلة العرب: فصنف منهم أنكروا الخالق، والبعث، والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المنفي. وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}. إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي، وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها.
فالجامع هو الطبع، والمهلك هو الدهر: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}. فاستدل عليهم بضرورات فكرية، وآيات فطرية، في كم آية وسورة فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 184] {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185]. وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ} [النحل: 48]، وقال: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]. وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21]. فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق. فإنه قادر على الكمال، إبداءً وإعادةً. انتهى. ولي في الرد على الدهريين، وهم الماديون والطبيعيون، كتاب وسمته دلائل التوحيد فليرجع إليه المريد، فليس وراءه، بحمده تعالى، من مزيد.

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [25].
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي: بأن الله باعث خلقه يوم القيامة: {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي: انشروهم أحياء، حتى نصدق ببعثنا أحياء بعد مماتنا، وإطلاق الحجة على ذلك، إما حقيقة بناء على زعمهم، فإنهم ساقوه مساق الحجة، أو هو مجاز تهكماً بهم. كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة. بمعنى أن لا حجة لهم البتة، وفيه مبالغة لتنزيل التضاد منزلة التجانس.

.تفسير الآية رقم (26):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [26].
{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أي: قل لهم في جواب قولهم: {وَمَا يُهْلِكُنا إلا الدَّهْرُ}: قل الله يحييكم ثم يميتكم، لا الدهر. لما عرف من وجوب رجوع العالم إلى واجب الوجود، هو سبب الأسباب، ومصدر الكائنات، أو قل لهم- في جواب إنكارهم البعث-: بأن من قدر على الإبداء، قدر على الإعادة، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة، على ما مرّ مراراً.

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [27].
{وَلَلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرضِ} أي: فلا مالك غيره، ولا معبود سواه: {وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} أي: الذين أتوا بالباطل في أقوالهم وأفعالهم، وهم عَبْدة غيره تعالى.

.تفسير الآيات (28- 31):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [28- 31].
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} أي: باركة، مستوفرة على الركب لا حراك بها. شأن الخائف المنتظر لما يكره وذلك عن السحاب أو في الموقف الأول، وقت البعث قبل الجزاء: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي: اللوح الذي أثبت فيه أعمالهم، ويعطى بيمين من كان سعيداً، وشمال من كان شقياً {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} أي: يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان، وإنما أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه تعالى، لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} أي: نستكتب الملائكة: {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: ما صلح به حالهم في المعاد الجسماني: {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} أي: في جنته: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} أي: بكسب الآثام، والكفر بالله، وعدم التصديق بمعاده، ولا الإيمان بثواب وعقاب.